فصل: (سورة البقرة: آية 17):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الصرف:

{اشتروا} فيه إعلال بالحذف، أصله اشتراوا، حذفت الألف لمجيئها ساكنة قبل واو الجماعة الساكنة، وفتح ما قبلها دلالة عليها، وزنه افتعوا بفتح العين.
{الضلالة} مصدر سماعي لفعل ضلّ يضلّ باب ضرب وضلّ يضلّ باب فتح، وزنه فعالة بفتح الفاء.
{تجارتهم} مصدر سماعي لفعل تجر يتجر باب نصر، وهذا المصدر يكاد يكون قياسيا لأن الفعل يدلّ على حرفة، وقد يدلّ على الاسم الذي يتّجر به وزنه فعالة بكسر الفاء.
{مهتدين} فيه إعلال بالحذف، أصله مهتديين، بياءين، فلمّا جاءت الأولى ساكنة قبل ياء الجمع الساكنة حذفت، وزنه مفتعين. وهو اسم فاعل من اهتدى الخماسيّ مفرده المهتدي على وزن مضارعه بإبدال حرف المضارعة ميما مضمومة وكسر ما قبل آخر.

.البلاغة:

1- الاستعارة التصريحية الترشيحية: في قوله تعالى: {اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى}.
فاشتراء الضلالة بالهدى مستعار لأخذها بدلا منه أخذا منوطا بالرغبة فيها والإعراض عنه. فقد شبهوا بمن اشترى فكأنهم دفعوا في الضلالة هداهم، فاستعارة الشراء للاختيار رشحت بالربح والتجارة اللذين هما من دواعي الشراء.
2- الاسناد المجازي: حيث أسند الخسران إلى التجارة وهو لأصحابها.
والاسناد المجازي هو: أن يسند الفعل إلى شيء يتلبس بالذي هو في الحقيقة له، كما تلبست التجارة بالمشترين.
3- فإن قلت: هب أنّ شراء الضلالة بالهدى وقع مجازا في معنى الاستبدال، فما معنى ذكر الربح والتجارة؟ كأن ثمّ مبايعة على الحقيقة.
قلت: هذا من الصنعة البديعة التي تبلغ بالمجاز الذروة العليا، وهو أن تساق كلمة مساق المجاز، ثم تقفى بأشكال لها وأخوات، إذا تلاحقن لم تر كلاما أحسن منه ديباجة وأكثر ماء ورونقا، وهو المجاز المرشح، وذلك نحو قول العرب في البليد: كأن أذني قلبه خطلا، وإن جعلوه كالحمار، ثم رشحوا ذلك لتحقيق البلادة، فادعوا لقلبه أذنين، وادعوا لهما الخطل ليمثلوا البلادة تمثيلا يلحقها ببلادة الحمار مشاهدة معاينة.

.[سورة البقرة: آية 17]:

{مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نارًا فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (17)}.

.الإعراب:

مثل مبتدأ مرفوع وهم ضمير متّصل في محلّ جرّ مضاف إليه {كمثل} جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر.
{الذي} موصول في محلّ جرّ مضاف إليه {استوقد} فعل ماض والفاعل ضمير مستتر تقديره هو {نارا} مفعول به منصوب الفاء عاطفة لمّا ظرفية حينيّة تتضمن معنى الشرط متعلّقة بالجواب ذهب {أضاء} فعل ماض التاء للتأنيث والفاعل ضمير مستتر تقديره هي ما اسم موصول في محلّ نصب مفعول به. حول ظرف مكان منصوب متعلّق بمحذوف صلة ما، والهاء ضمير في محلّ جرّ مضاف إليه {ذهب} فعل ماض {اللّه} لفظ الجلالة فاعل مرفوع بنور جارّ ومجرور متعلّق ب {ذهب} وهم ضمير متّصل في محلّ جرّ مضاف إليه. والواو عاطفة ترك فعل ماض وهم مفعول به أوّل والفاعل هو أي اللّه {في ظلمات} جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف مفعول به ثان لترك أي ضائعين أو تائهين {لا} نافية {يبصرون} مضارع مرفوع والواو فاعل.
جملة: {مثلهم كمثل الذي} لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: {استوقد نارا} لا محلّ لها صلة الموصول {الذي}.
وجملة: {أضاءت} في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة: {ذهب اللّه} لا محلّ لها جواب شرط غير جازم.
وجملة: {تركهم} لا محلّ لها معطوفة على جملة جواب الشرط.
وجملة: {لا يبصرون} في محلّ نصب حال من ضمير النصب في تركهم.

.الصرف:

{مثلهم} اسم بمعنى الصفة والحال: مشتقّ من المماثلة وزنه فعل بفتحتين.
{الذي} اسم موصول فيه ال زائدة لازمة: أصله لذ كعم وزنه فعل بفتح الفاء وكسر العين، وفيه حذف إحدى اللامين لام التعريف أو فاء الكلمة مثل التي والذين.
{نارا} اسم والألف فيه منقلبة عن واو لأن تصغيره نويرة وجمعه أنور بضمّ الواو. أما الياء في نيران فهي منقلبة عن واو لانكسار ما قبلها.
{أضاءت} الألف فيه منقلبه عن واو لأن مصدره الضوء، وأصله أضوأت بتسكين الواو وفتح الهمزة جاءت الواو ساكنة مفتوح ما قبلها قلبت ألفا ويجوز أن ترجع إلى الماضي المجرّد فيأخذ حكم زاد.
نورهم، اسم جامد يدرك بالباصرة وزنه فعل بضمّ فسكون.
{ظلمات} جمع ظلمة، اسم جامد خلاف النور وزنه فعلة بضمّ فسكون.

.البلاغة:

1- التشبيه التمثيلي: في قوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نارًا} حيث أشبهت حالهم حال مستوقد انطفأت ناره.
2- مراعاة النظير: وهو فن يعرف عند علماء البلاغة بالتناسب والائتلاف. وحدّه أن يجمع المتكلم بين أمر وما يناسبه مع إلغاء ذكر التضادّ لتخرج المطابقة وهي هنا في ذكر الضوء والنور، والسرّ في ذكر النور مع أن السياق يقتضي أن يقول بضوئهم مقابل أضاءت هو أن الضوء في دلالة على الزيادة فلو قال: بضوئهم لأوهم الذهاب بالزيادة وبقاء ما يسمى نورا والغرض هو إزالة النور عنهم رأسا وطمسه أصلا.

.الفوائد:

يمضي سياق القرآن في ضرب الأمثال لتصوير شأن المنافقين ليكشف عن طبيعتهم وتقلباتهم وليزيد صفتهم جلاء ووضوحا لقد استوقدوا النار فلما أضاءت نورها لم ينتفعوا بها، ولذلك عاقبهم اللّه فذهب بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون.
وأسلوب التمثيل وأحد الأساليب القرآنية الذي تجلت فيه بلاغة القرآن بأحسن صورها وأكثرها تأثيرا في النفوس واستقرارا في العقول والقلوب.
وكما نجد هذه الخاصة في القرآن الكريم نجدها في الحديث الشريف فهي من أشرف الوسائل في تقرير الحقائق وتجلية الصفات.
أولا في الآية تشبيه تمثيلي لأن وجه الشبه والصفة المشتركة بين المشبه والمشبه به فتنزعه من صفات أو أشياء متعددة.
ثانيا: إن أسلوب التشبيه هو من الخصائص البلاغية في القرآن الكريم نقدم بعض الأمثلة ولعل الجزء يغني في إيضاح المقصود عن الكل كقوله تعالى: {رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} وقوله: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفارًا} وقوله أيضا {مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ}. وقوله تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ}.
ثالثا- في الآيات التفات من المفرد إلى الجمع في قوله: {فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ}.
رابعا: عبر سبحانه وتعالى عن عمى البصيرة بعمى الأبصار وهو ضرب من أضرب المجاز اللغوي. يفسره قوله تعالى: {فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}.
هذا قليل من كثير ولو تتبعنا ما في هذه الآية من خصائص وفوائد لقادنا ذلك إلى كتابة سفر من الأسفار. فسبحان من هذا كلامه وهذا بيانه.
يقول صاحب الكشاف: ولأمر ما أكثر اللّه في كتابه المبين وفي سائر كتبه من أمثاله، وفشت في كلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وكلام الأنبياء والحكماء، ومن سور الإنجيل سورة الأمثال.
وللعرب أمثال كثيرة جرت مجرى الحكم وحيل بين لفظها والتغيير يشبهون مضربها بموردها وقد ألّف فيها المجلدات.

.[سورة البقرة: آية 18]:

{صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (18)}.

.الإعراب:

{صمّ} خبر لمبتدأ محذوف تقديره هم {بكم} خبر ثان مرفوع {عمي} خبر ثالث مرفوع الفاء عاطفة هم ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ {لا} نافية {يرجعون} مضارع مرفوع والواو فاعل.
جملة: هم {صمّ} لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: {فهم لا يرجعون} لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافية وترتبط معها برابط السببيّة.
وجملة: {لا يرجعون} في محلّ رفع خبر المبتدأ هم الثاني.

.الصرف:

{صمّ} جمع أصمّ صفة مشبّهة من صمّ يصمّ باب فتح وزنه أفعل، وصمّ وزنه فعل بضمّ فسكون. وهكذا كلّ صفة على وزن أفعل جمعه القياسيّ على وزن فعل بضمّ الفاء.
{بكم} جمع أبكم صفة مشبّهة من بكم يبكم باب فرح وزنه أفعل، وبكم وزنه فعل بضمّ فسكون.
{عمي} صفة مشبّهة من عمي يعمى باب فرح وزنه أفعل، وعمي وزنه فعل بضمّ فسكون.

.البلاغة:

1- هل يسمى ما في الآية الكريمة استعارة؟
في الواقع مختلف فيه. والمحققون على تسميته تشبيها بليغا لا استعارة، لان المستعار له مذكور وهم المنافقون. والاستعارة إنما تطلق حيث يطوى ذكر المستعار له، ويجعل الكلام خلوا عنه صالحا لأن يراد به المنقول إليه لو لا دلالة الحال أو فحوى الكلام.

.[سورة البقرة: آية 19]:

{أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (19)}.

.الإعراب:

{أو} حرف عطف، {كصيّب} جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف تقديره مثلهم، وفي الكلام حذف مضاف أي مثلهم كأصحاب صيّب.
{من السماء} جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف نعت ل {صيّب} في حرف جرّ والهاء ضمير متّصل في محلّ جرّ بحرف الجرّ متعلّق بمحذوف خبر مقدّم.
{ظلمات} مبتدأ مؤخّر مرفوع والواو عاطفة في الموضعين المتتابعين {رعد} {برق} اسمان معطوفان على ظلمات مرفوعان مثله.
{يجعلون} فعل مضارع مرفوع والواو فاعل. أصابع مفعول به منصوب وهم ضمير متّصل في محلّ جرّ مضاف إليه في آذان جارّ ومجرور متعلّق ب {يجعلون} بتضمينه معنى يضعون وهم مضاف إليه {من الصواعق} جارّ ومجرور متعلّق ب {يجعلون} و{من} سببيّة.
{حذر} مفعول لأجله منصوب {الموت} مضاف إليه مجرور. الواو استئنافيّة أو اعتراضيّة {اللّه} لفظ الجلالة مبتدأ مرفوع {محيط} خبر مرفوع {بالكافرين} جارّ ومجرور متعلّق ب {محيط} وعلامة الجرّ الياء والنون عوض من التنوين في الاسم المفرد.
جملة: {مثلهم} {كصيّب} لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة في الآية 17.
وجملة: {فيه ظلمات} في محلّ جرّ نعت ثان ل {صيّب}.
وجملة: {يجعلون} لا محلّ لها استئنافيّة بيانية.
وجملة: {اللّه محيط بالكافرين} لا محلّ لها استئنافية أو اعتراضيّة.

.الصرف:

صيّب، صفة مشتقّة على وزن فيعل من صاب المطر يصوب أي انصبّ، وفي اللفظ إعلال بالقلب أصله صيوب بتسكين الياء وكسر الواو، التقى الياء والواو في الكلمة وكان الأول منهما ساكنا قلب الواو إلى ياء وأدغم مع الياء الثاني فأصبح صيّب.
{السماء} اسم جامد قلب فيه الواو إلى همزة لأنه مشتقّ من السمو، وكل واو أو ياء يأتي متطرّفا بعد ألف ساكنة يقلب همزة.
{رعد} اسم جامد بمعنى الراعد أو مصدر سماعي لفعل رعد يرعد باب نصر وباب فتح وزنه فعل بفتح فسكون.
{برق} اسم جامد بمعنى البارق أو مصدر سماعي لفعل برق يبرق باب نصر وزنه فعل بفتح فسكون.
{أصابعهم} جمع إصبع اسم للعضو المعروف، ويصحّ في لفظه تسع لغات بفتح الهمزة وفتح الباء وضمّها وكسرها، وضمّ الهمزة وفتح الباء وضمّها وكسرها، وكسر الهمزة وفتح الباء وضمّها وكسرها.
آذان جمع أذن، اسم للعضو المعروف وزنه فعل بضمّ الهمزة وسكون الذال وضمّها.
{الصواعق} جمع صاعقة اسم جامد من فعل صعق على وزن اسم الفاعل.
{حذر} مصدر سماعيّ لفعل حذر يحذر باب فرح وزنه فعل بفتحتين.
{الموت} مصدر سماعيّ لفعل مات يموت باب نصر وزنه فعل بفتح فسكون.
{محيط} اسم فاعل من أحاط الرباعيّ، فهو على وزن مضارعه بإبدال حرف المضارعة ميما مضمومة وكسر ما قبل الآخر، وفي اللفظ إعلال بالتسكين والقلب، أصله محوط بكسر الواو، ثقلت الكسرة على الواو فسكنت ونقلت حركتها إلى الحاء- إعلال بالتسكين- ثمّ قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها فأصبح محيط- وهو إعلال بالقلب- وفيه حذف الهمزة من أوله لأن فعله على وزن أفعل.
{الكافرين} جمع الكافر، اسم فاعل من كفر يكفر باب نصر على وزن فاعل.

.البلاغة:

1- التشبيه التمثيلي: في قوله تعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ} فهو تمثيل لحالهم أثر تمثيل ليعم البيان منها كل دقيق وجليل ويوفى حقها من التفظيع والتهويل فإن تفننهم في فنون الكفر والضلال وتنقلهم فيها من حال إلى حال حقيق بأن يضرب في شأنه الأمثال ويرضى في حلبته أعنة المقال ويمد لشرحه أطناب الإطناب ويعقد لأجله فصول وأبواب لما أن كل كلام له حظ من البلاغة وقسط من الجزالة والبراعة لابد أن يوفى فيه حق كل من مقامي الإطناب والإيجاز.
2- المجاز المرسل: في قوله تعالى: {يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ}.
حيث عبّر بالأصابع عن أناملها والمراد بعضها لأنهم إنما جعلوا بعض أناملها. وهو من باب اطلاق الكل وإرادة الجزء.
انه مشهد عجيب حافل بالحركة مشوب بالاضطراب فيه تيه وضلال وفيه هول ورعب، وفيه أضواء وأصداء هو مشهد حسي يرمز لحالة نفسية، ويجسم صورة شعورية كأنها مشهد محسوس.